الجمعة، 28 أكتوبر 2016

اماه..




أمي بسيطه حد الجمال، ففي صباح العيد تكتفي فقط بكوب من الشاي، بعدما ارهقها الصيام شهراً, تكتفي فقط بتوزيع الابتسامات و نشر اسباب السعاده على ظهر البسيطه، لا ترجو من الله إلا سعادتنا و عفوه و الجنه. تلك هي غايتها الثلاثيه..منذ الامد و حتى الأبد.
تكتفي في صباح العيد بعناق أبي الطويل، وحده كفيل بجعلها ترى أنّ العالم اصبح بصورة مفاجئه, لا تشوبه أيُّ شائبه ، و كأن الكون بأسره قد تواطأ معها؛ فقط لتتجلى لها صورة الحب الالـٰهي: متمثلة في أبـي.
أمي لا تزال طفلة في مكان ما, ارى ذلك كلما راقبتها بصمت و هي تنام قريرة العين، لا يهمها كثيراً ما يجول في الدنيا، فهي دار الزوال كما تقول.
أمي ليست كجميع البشر.فلا تجد للغل في قلبها سبيلا، لا تجد آثاراً للغضب على وجهها، هي هادئه،  تماماً كوقت السحر، تتحدث بسكينة و رويه.
أمي بالتأكيد قد أدركت اسرار الحب الكوني و العظمه الروحيه, فهي بلا شك، تتحدث اللغة الكونيه! 
انا اليوم لا اتكلم عن أمي بفهوم الأمومه, لا اتكلم عن تلك التي أنشأتني و جعلتني اتنفس الحياه. لا سبيل للتحدث عن ذلك، فثمانية و عشرون حرفاً بالكاد تكفي لكتابة صفحة واحد من سلسلة لا متناهيه. انا اليوم اتحدث عن شخصها في ذاتها, اتحدث عنها هي بالذات, عن كيانها الوجداني, مجرده من جميع التسميات.. اتحدث عن أمي الانثى الراقيه, التي صعدت الى اسمى مراتب الجمال الروحي، الأنثى التي تعيش في ظلال السلام.
أمي هي تلك من يحمل قلباً يسع الكون، والفضاء الذي حوله، و بضع مجرات من هنا و هناك, تُسامح كثيراً و لا تعاتب اطلاقاً, تبادر دائماً، و لا تقايض ابداً, لا تهتم كثيراً بما قد قيل و قال. يكفيها فقط بعض الاخبار الجيده و أنّ الجميع بخير. قلب امي لا يهوى الهموم؛ فقد تشبّع بما يكفيه من الحب!
أمي أنيقة جداً. تقتني ثيابها بكل سهوله، و تضفي عليها شيئاً من طيب وجودها, فتصير من ارقى الموجودات!
لا يزال وجهها يحمر خجلاً كلما داعبها أبـي بلطيف الكلام، ولا يزال حديثها مع جدتي هو الاكثر اهميةً من اي حديث في الكون, لا تزال ضحكتها هي ما تنتشلنا جميعاً من الهم، و تجعلنا في حالةٍ من الانخطاف اللاحسي، فنتزود بجرعات مجانية من السعاده مع كل ضحكه.
اعتقد ان تسميتها كانت نوع من العدل الالٰـهي؛ فهي بكل حق ( الإنصاف ) فقد أنصفت عندما أخذت حقها من كل شيء: من السمو, الحياء, السلام.
امي لم تَظلِم قط.! فقد أخذت ما يكفيها من الجمال و جلست بهدوء تقسمه بين البشر بكل سخاء.
أمي ببساطه تعرف جيـداً ما معنى ان تكون شخصاً يصنع الفارق, فهي تتنفس على معاني الانسانيه، و لاتنوي يوماً تغيير انفاسها عن معنى غير ذلك. 
لا ادري .. و لكن اذا أُجيز الكمال للبشر, لكانت أمي هي سبب إجازة القرار.
دمت و دامت ايامك.
دمتِ لنا عيدا.
دمتِ لنا حياةً..
دمت لنا يا من تعلمينا كيف نعشق الحياه بأبسط تفاصيلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق