الجمعة، 28 أكتوبر 2016

مرســى



يقولون ان الوحده دائماً تتمثل في اوقات الليل. لكن ملكتي غير، فهي تميل الى اوقات الظهيره، او في بعض الاحيان مع كوب الشاي في الصباح، ذلك الشاي الشرقي المليئ بالبهارات، مع اللبن المقنن الذي اكره طعمه و رائحته! عجباً لتلك التفاصيل التي تأنف الظهور فقط عندما احتاج السكينه.
لطالما كان الامر معكوساً بالنسبة لي، فعندما كنت طفله كنت اعشق البشر و تجمعاتهم و ارى الاهميه الكبيره في شغف امي و هي تتحدث عن اصناف القهوه، مع العلم انني لم اكن قد تذوقت واحدةً قط. و كلما كبرت، انسحبت اكثر فاكثر من ذلك العالم الوردي، حتى انشأت عالمي المظلم الخاص، سمحت لبعض الاشخاص فقط بالولوج اليه، فقد حظيت بالقدر الكافي من المعارف في حياتي.
لم اتضجر يوماً من عدم التعمق مع الغير، لم الُم نفسي يوماً على ذلك الانعزال الذي انخرطت فيه، ثم انني لم اجد يوماً نفسي ضائعة، أو فاقدة القدره على التواصل. لكن هنا، اليوم، هنالك وِحده.. هنالك فٓقـدْ.. هنالك ثقب اسود قد سحب كل الرضى و لفظ بقنبلة التردد و الضياع! اصبحت هنالك فوضى في كل مكان.
هل يا ترى تلاشى الظل الذي كنت اسكن تحته كل تلك السنين؟
هل يا ترى اصبحت مسؤولةً و بصوره مفاجئه عن ايجاد اسباب و مبررات تفسر غيابي الطويل؟ ام هل يا ترى كانت الصوره واضحة تماماً امامي و لكني عجزت عن ان ارى .. عجزت ان أُبصر تلك اللافته: ( حـــان الوقت لصُنع بعض الحيـاة ) 
احان الاوان يا ترى؟ ان اخرج من تلك الصومعه و ألملم شتات نفسي؟ أحان آوان الانخراط الحسي و الذهاب الى المناسبات و تصنع الضحكات، و لبس ما هو مثير و سماع الابواق ليلاً و نهارا، و ضجة الساحات و صراخ البائعين؟
ذلك العالم ليس بالسيء، هو فقط لم يخلق من اجلي!
لا ادرى، فالظلام في كل مكان. ما افقهه فقط: هو اني دخلت مرحلة جديده، و علي الآن، الاستعداد لخوض الجهاد الحسن.
الضوضاء تثير معدتي، لكن مهلاً.. لم يكن الهدوء (الخارجي) ليغير شيئاً، فقد كنت في عُزلتي و مع ذلك اصبح كل شيء ضرب من الفوضى.
تلك الفوضى كانت هنالك منذ الامد، و لكني اخترت الاّ ارى. كنت اعيش و عيناي قد تعودتا الضباب، الآن و قد انقشع، بات الأمر و كأنّ الأرض تعيد ترتيب نفسها. على أية حال، الفوضى و الترتيب، هما وجهان لعملة واحده، و لكننا اغبى من ان ندرك تلك الحقيقه في وقت باكر.
لا جدوى الآن من الحديث الرتيب، فلا خلاف على ان الأمر سيجذبني نحو التيه اذا استمر على هذا النمط.. فلابد من اخذ التدابير.
يقولون أنّ أول خطوات حل المعضله: هي ادراكها. لا اريد الاعتراف! و لكن الحمل قد ارهق كاهلي! كم كنت مخطئه .. كم كنت عمياء! وحدها عناية الرب، جعلتني أنجو من الحياة حتى الآن.
يقول غاندي: { أيّ شـيء تفعلـه في هذه الحــياه لن يكـون ذو أهمــيه، و لكـن من المـهم جداً أن تفعلــه }. اعتقد انني قد وجدت الحل تواً.. سأمضي قدماً.
سأمضي من الآن فصاعداً لا أطمع في اذاعة صيت، لا أرغب في فعل ما هو عظيم، لا أريد حتى ان أُعرف.أُريد فقط ان ألِـج الى ذاتي مرة اخرى.. أريد الرجوع الى ذلك العالم المظلم الهادئ.. هو عالم يتميز بالانعزال و الكآبه على وجه عام، و لكنه كفيل بجعلي سعيده. عالمي المظلم ليس بالسئ قط.. لطالما احببته يوماً بعد يوم، لطالما توصلت فيه الى المسالمه، مع الكون.. مع العوالم الموازيه.. و حتى مع نفسي. ادركت الآن فقط كم كان مميزاً ذلك السواد. الآن و قد خرجت، أدركت أنّ الخروج كان بالذات، هو الحل و ليس المشكله.
ها قد تحررت.. لا ذكريات تقيدني، لا أرق يفـتك بي، و لا جراح تأبى ان تبرأ.. يكفيني الآن، شيءٌ من نسمات الصباح، و كوب من الشاي مع اللبن المقنن المقرف.. لابأس! فبعض السوء في الحياة؛ هو من أساسياتها.. فكمال العيش عند الفردوس، و ليس على ظهر البسيطة.
الآن فقط سأتمهل لاستنشق ببطءٍ.. الجمال، و ألفُظ الوهن. سأكتفي بما لدي، و أعثر على الحياة في آخر رشفة من كوبي.. و سأتلذذ بنسمات الصباح البارده و هي تداعب خصلاتي، أُراقبها بصـمت، و هي تضع بقبلةٍ صغيره على خدي..أعرف مَنْ صاحبها.. فأبتسم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق